يشهد إقليم جبال
النوبة النزاعات منذ ثمانينيات القرن الماضي، عندما إنضم عدد كبير من أبناء الجبال
للجيش الشعبي لتحرير السودان ليحاربوا ضد الحكومة المركزية في الخرطوم. شهد الإقليم حرباً مستمرة منذ العام 1991 وحتى 2002 ولكنه تلقى إهتماماً قليلاً من الإعلام
والساسة. في يونيو 2011 وقبيل انفصال جنوب السودان إندلعت الحرب مجدداً في الاقليم
بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال وبذلك أصبح خارج نطاق المعونات
الإنسانية والإهتمام الإعلامي. رصدت منظمة هيومان رايتس وواتش في 2012 الأشخاص
المُهجّرين بسبب الحرب وعددهم تقريباً تسعمائة ألف شخص، كما أعلنت المفوضية السامية
للاجئين التابعة للأمم المتحدة في يناير الماضي أن ثلاثة الآف شخص عبروا الحدود
لجنوب السودان خلال شهر واحد.
من النادر أن نسمع عن ما يحدث في جبال النوبة خلافاً
لأرقام الاشخاص الفارين من النزاع، أو تسجيلات فيديو للقصف الجوي والأجساد الممزقة. هؤلاء
التسعمائة ألف شخص لديهم حكاوى حياتية يجب أن تروى ولديهم وجوه يجب أن يراها
السودانيون الذين ينعمون بالسلام، وللعالم الذي لم يكف عن ترديد "لن تحدث الابادة مجدداً" ولكن يغض الطرف عن عدد من النزاعات المدمرة مثل
الحرب الدائرة بلا نهاية في السودان.
في هذه السلسلة "واحد/ة من تسعمائة ألف" أحاول أن أعكس حياة النساء والرجال
الذين يعيشون في معسكرات النزوح وفي المناطق التي يسيطر عليها التمرد.
الأسماء تم تغييرها لضمان سرية وسلامة من أجريت معهم المقابلات.
تعرفوا على أمل
أمل ناشطة حقوقية
وخريجة جامعية في منتصف الثلاثينيات من العمر. تعيش في قريتها الأم وهي قرية صغيرة
في محلية أم دورين التي تسيطر عليها الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال. تعمل
أمل برصد انتهاكات حقوق الإنسان ونشر الوعي الحقوقي في مجتمعها لصالح منظمة محلية
وهي مفتونة بجمال قريتها خاصة في فصل الخريف حيث يكتسي المكان باللون الأخضر. ولكن
بالرغم من جمال الطبيعة يعاني الإقليم من الحرب وعدم التنمية ، خاصة المناطق التي
تسيطر عليها الحركة الشعبية والتي تتعرض في أغلب الأحيان للقصف
الجوي بواسطة قوات الحكومة. تقول أمل:
أصبح الناس يعيشون في الكهوف والجبال ولا تصلهم المعونات الإنسانية، توجد حركة سكانية كبيرة للبلدان المجاورة. في واحدة من الخمس وحدات الأدارية التابعة لأم دورين تم إغلاق كل المدارس بسبب القصف، بينما أغلقت نصف المدارس في وحدتين أخريات. كما أن الذخائر التي لم تنفجر تسببت بتلوث البيئة وخاصة مصادر المياه. لقد تعطل عدد كبير من مضخات المياه وأصبح الناس يعتمدون على الحفر للحصول على المياه الجوفية، التي أصبح لونها بنياً من التلوث وتسبب لهم الأمراض، لقد مرضت عدة مرات من شرب هذه المياه الملوثة، هذا بخلاف عدم توفر الخدمات الصحية والأدوية
حياة أمل لم تكن سلسة سابقاً؛ ففي بداية التسعينات، كانت تعيش في الخرطوم مع والديها وثمانية من أشقائها عندما اندلعت الحرب في جنوب كردفان. مرتب والدها الشهري كان بالكاد يكفيهم عندما أصبح عليهم استقبال عدد كبير من أهلهم الذين تركوا قراهم وفقدوا حياتهم الآمنة وسبل معيشتهم ونزحوا للخرطوم. وتقول:
عانت أسرتي من توفير مصروفات دراستنا، وكان أدائي الاكاديمي متدهوراً، لقد كانت فترة عصيبة علينا
تشتتت عائلة أمل مع اندلاع الحرب في٢٠١١، في حين بقيت والدتها في أم دورين، إنتقل والدها الى جنوب السودان، عدد من إخوتها اتجهوا للخرطوم والمدن الشمالية وبعضهم في معسكر كاكوما بكينيا ولديها أخ في يوغندا.
والداي لم يلتقيا منذ مدة، ويجب أن يكونو معاً برفقة أبنائهم ليراعوهم، ولكن من الصعب تنفيذ ذلك مع الدخل المحدود الذي نجنيه أنا ووالدتي ووالدي. يحتاج أشقائي للرعاية والتوجيه فهم صغار في السن ومراهقين. إثنتين من أخواتي يواجهن مشاكل دائمة وقد تم تحميلهن بينما هربت أختي الصغيرة الى الخرطوم لوحدها لتبحث عن تعليم أفضل أو تسافر لتنضم لأختي الكبيرة في أمريكا. أختي الكبيرة لم تتمكن من زيارتنا منذ غادرت في عام 1999 كما أنها تعاني من توفير معيشتها اليومية في أمريكا. أتمنى لو كنت قادرة على العناية بأخواتي.
تعمل أمل منذ تخرجها في 2010 مع منظمات غير ربحية دولية ومحلية تعني بالتنمية وحقوق الانسان في جبال النوبة، وهي شغوفة بالدفاع عن حقوق الانسان ومناصرة الضحايا وتمكينهم لأخذ حقوقهم. هذا الشغف والإلتزام يمكنها من تحمل التحديات اليومية التي تواجهها لكونها إمرأة عازبة وناشطة تعمل في منطقة نزاع. وتحكي لنا:
بالرغم من أن المجتمع يتغير الا أن التنميط موجود، حيث الأدوار النوعية معرفة ومحددة، ويتوقع من المرأة أن تقوم بأدوار محددة فقط ولذلك تعرضت لكثير من المواقف الصعبة ليس فقط في التعامل مع المجتمع ولكن حتى مع زملاء العمل. بعض الزملاء يشعرون بالتهديد في كل مرة آتي بفكرة جديدة أوأتخذ دوراً قيادياً، احياناً أسمع أنها إمرأة، الزملاء من الرجال أجدر بالقيادة. هذا يزعجني كثيراً لأنني دائماً أساند زملائي كما أنني أكثر مهارة منهم في العمل ومعتادة على تحمل الضغوطات ولكنهم لا يتقبلون هذه الحقائق
تتصور أمل المستقبل المثالي للنساء في السودان، وتتمنى أن تتعلم كل النساء، حتى الكبيرات في السن اللاتي لم يلتحقن بالمدارس يمكنهم أن ينضممن لفصول محو الأمية ليتعلمن القراءة والكتابة، وتقول:
على النساء تولي أدوار ووظائف صناعة القرار، عليهم تمثيل أخواتهن وأن يكن مؤهلات لهذا التمثيل ولا يضطهدن النساء أبداً. النساء اللاتي شهدن الحرب أظهرن وأثبتن مقدرتهن على أداء كل الأدوار المعرفة اجتماعياً للنساء والرجال
أمل متفائلة بمستقبل السودان وخاصة جبال النوبة حيث تعتقد أن المجتمع منظم وواعي سياسياً:
تنتظرنا أوقات جيدة، سيصبح السودان دولة ديموقراطية حيث لا مكان لظلم قبيلة أو إثنية وسيتمتع كل الناس بحقوق متساوية
لكن تراودها الحيرة والشك عندما تتحدث عن مستقبلها الشخصي:
لست متأكدة، كل شي يعتمد على الظروف، اعتقدت قبل سنوات عديدة أنني سأفعل أشياء كثيرة مثل الإلتحاق بالدراسات العليا. إعتقدت أنني سأتمتع بحياة أسرية مع والدي وإخوتي ولكن حدث العكس. أنا لست سعيدة ولكنني متفائلة أحس بأنني أقوى الآن بالرغم من كل التحديات التي أواجهها. لقد شكلت هذه التحديات شخصيتي واكتسبت المرونة والتحمل. إنني أؤمن أن كل شئ يحدث في ميعاده. سأنطلق لتحقيق أحلامي وخدمة مجتمعي المحلي وكل العالم عندما أكون مستعدة لذلك. لقد طوّرت شعوراً بالتضامن العالمي مع الناس
تبعث أمل كلمة أخيرة لشباب السودان:
تفاءلوا، لا تفقدوا الأمل، فكروا وأعملو، لقد ظُلم الناس وأصبحوا ضحية لنزاعات مستمرة بدأت منذ سنين بعيدة ولكن علينا أن نجد لها حلول جذرية لنمنع حدوثها مرة أخرى. لا يوجد شخص عديم القوة، كلنا لدينا مسئولياتنا وقوانا، فقط علينا أن نلتزم بالعمل وسوف ننجح في تحقيق أهدافنا. لا يهم كم من الزمن يقتضي ذلك لأنه في النهاية لا شئ مستحيل
وتخاطب المجتمع الدولي:
يمكن للمصالح أن تؤخر محاسبة المجرمين، ولكنني أؤمن أن المحكمة الجنائية الدولية عليها أن تقوم بعملها وإلا فما الفائدة من إنشائها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للحصول على النسخة الانجليزية من هذا المقال اضغط هنا