الثلاثاء، 8 مارس 2016

سياسة الجسد: عندما تتحول أجساد النساء لساحات معركة

توقفت عن الكتابة لما يقارب العام،
حاولت مراراً أن أستعيد قدرتي ورغبتي في الكتابة، ولكنني أصبحت مرهقة جداً من معارك الحيازة على ملكيتي لجسدي في وقت كنت آخر ما أحتاجه هو تلك المعارك، أظنني قدر ربحت الجولة السابقة ولكن خسرت جهداً كان جديراً بي أن استثمره في مناحٍ أخرى،
أن أبذله في الحب والرعاية، أن ابذله في اكتساب المعارف أوبناء لياقتي العضلية، لو أنني لم أدفع دفعا لكذا مواقف،
كان بامكاني المساومة، أن أخضع جسدي للتغطية أو التعرية حسب ما تقتضيه رغبات الأوصياء
أن أرتهب، التفت يمنة ويساراً قبل أن اتمكن من الإمساك بيد حبيبي في مكان عام أو خاص، خوفاً من أن تستثير هذه اللمسة مشاعر أحدهم، أو أن تخضع معتقداتهم للاستفزاز،
لكنني لم أساوم، فالمساومة ستفقدني ملكيتي لجسدي، كما أن الأوصياء لا يكتفون، يتوقون دوماً لخلق معارك ومطالب بلا وجه حق،
يتوقون للحصول على مساومات اضافية وبالتالي كسب زائف لهذه المعارك،
لقد ربحت، ولكنني الآن على دراية تامة بما تكلفه هكذا معارك،
أتفهم لماذا تختار الكثيرات المساومة، وكيف ينتهي بهن الحال لأن يفقدن كامل السيطرة على أجسادهن،
كما أنني اعجز تماماً عن تخيل مقدار الإهانة والألم والإنفصال عن الجسد الذي تعانيه المعنفات جسدياً وجنسياً،
لطالما كانت ولا زالت أجساد النساء ساحة للمعارك الايدلوجية، التي وعلى اختلافاتها وتناحرها تتفق على أن هذه الاجساد ليست ملكاً لمن يمتلكنها من أفراد، نساء وفتيات، بل لمنظومة أبوية تفرض الوصاية وتقرر لهذه الأجساد كيف تبدوا، وتستخدم وتعاقب في حال انفلاتها من هذه المنظومة.

لم نحظى بملكية الجسد يوماً ما


كثيراً ما نستمع للحكاوي المشحونة بالحنين لسودان ماقبل 1989، بالأخص في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، تلك الحكاوي التي تصور تلك الفترة على أنها العصر الذهبي لحقوق وحرية النساء، كانت النساء على قدر من الحرية لأنهن لم يعاقبن على عدم ارتداء الحجاب، بل كن يواكبن الأزياء العصرية كما يحلو لهن. يعتبر البعض ذلك دلالة على حرية النساء وتطور المجتمع آن ذاك. ولكنني أعتقد أن انبهارنا بذاك العصر ليس ناتجاً عن حقيقة أن النساء حققن حريتهن، بل لأننا الآن وفي دولة الشريعة الاسلامية لا يمكننا أن نرتدي تلك الملابس بدون أن نتعرض للإدانة المجتمعية والملاحقة القانونية بمنظومة النظام العام.

هذه الأزمة التي نعيشها، أزمة كبت الحريات الشخصية للرجال والنساء، جعلتنا نتوق لماضٍ مثالي متوهم، آملين في أن نستعيد تلك الحقبة، التي لو كانت بتلك المثالية لما وصلنا ورضخنا لدولة الشريعة. إن مظاهر الحداثة في فترة ما بعد الاستقلال، كتزيوء النساء في اعتقادي لا يتعدى كونه تعبيراً عن رغبة السلطة المهيمنة، والتي كانت في ذاك الوقت على علاقة لصيقة بالمستعمر، تدير الدولة الموروثة حديثاً وفقاً لنظمه. أخبرتني والدتي وعدد من الصديقات اللائي عاصرن تلك الفترة الذهبية أن النساء اللائي لم يتبعن صرعات الموضة في ذاك الزمان كن يعتبرن غير متحضرات، وغالباً لا ينتمين لأسر رفيعة الشأن.

يبدوا هذا شبيهاً جداً بما يحدث الآن، فمحاولات تغييب النساء من الساحة العامة، بفرض زي محدد لهن؛ قابل للتقييم العشوائي من قبل الشرطة والمارة؛ ما هو الا ما فرضته وتفرضه السلطة المهينة ذات الخلفية الدينية. بالتالي أصبحت كل امرأة وفتاة لاتلتزم بذلك التعريف العشوائي للحشمة عرضة للوصم والاعتداء سواء كان من المارة أو من رجال الشرطة.

وفي جزء من المخيلة التاريخية للسودان في أزمان سحيقة، تقبع حكاوى وصور فتيات يرتدين الرحط، عاريات الجسد الا من تلك القطعة الجلدية التي تغطي مساحة محدودة من أسفل السرة وحتى أعلى الفخذ، ورقص العروس الذي يدعى اليه الرجال والنساء، توهمت مخيلة الأزمة الحالية التي تجلد فيها النساء للرقص مع أو أمام الرجال أن الرحط ورقص العروس دلالة على الحرية، ولكنها في الغالب الأعم كانت وسيلة لإثبات أن السلعة المشتراة، جسد العروس، بحالة جيدة وتستحق ما دفع فيها من مال.
عليه في اعتقادي الخاص أن النساء في كلتا الحقبتين لم يحظين بملكية أجسادهن، فقد وضع مسبقاً معايير للتعبير عن هذه الأجساد. ومن يضع تلك المعايير يمتلك السلطة للتحكم في المجتمع.

أجساد النساء: الآت الإنجاب

تهيأ الفتيات منذ أعمار مبكرة للأمومة، حيث تهدى لهن الدمى، وبالتالي يكون في مخيلتهن تلك الصورة المثالية لحياتهن (عروسة) أو أم للبنت الدمية. الفتيات اللائي يملن للعب الكرة، أواقتناء سيارات اللعب ينظر لهن منذ الصغر على أنهن يتشبهن بالفتية. فالجسد الأنثوي لا يجب أن يعبر عن القوة والحركة كما الرجال، بل حري به السكون واللين ليحظي بالفرصة لحضانة جنين.
لذلك ليس من المستغرب أن يفقد برلماني قدرته على استيعاب وجود فريق نسوي لكرة القدم، تلك اللعبة الذكورية التي لا يجب على النساء أن يفقهن شيئاً عنها سوى التعبير عن اعجابهن بوسامة وبنية اللاعبين الذكور. أخبرتني إحدى لاعبات فريق كرة القدم النسوية السوداني أن احد الرجال رآها تتمرن فتقدم لسؤالها عن أي الرياضات تمارس، ولكنه رفض تصديقها عندما أخبرته انها لاعبة كرة قدم، أن تقدم امرأة واحدة على التجروء واستعمال جسدها خلافاً للانجاب تلك معضلة للذكوريين ولكن أن يتشكل فريق كامل من النساء والفتيات يعبرن عن قوة وحركة اجسادهن فان ذلك تهديد للمجتمع الذكوري ومثال خطير قد ترغب باتباعه بعض الفتيات ممن لا يستهويهن اللعب بالدمى.

النساء تقاس صلاحيتهن بما تبقى لهن من عمر انجابي، لذا من يتخطين عمراً محدداً بلا زواج تقل قيمتهن كسلعة للإنجاب وبالتالي فرصهن في زواج تقليدي، تتبعهن نظرات الشفقة لضياع بويضاتهن شهراً بعد شهر بلا إخصاب، وكأن هذا ما صنعن له فقط. أن تقرر امرأة متزوجة أنها لا ترغب في الأمومة على الأقل في الوقت الحالي، وفوراً بعد الزواج لأمر جلل، فكيف يمكن لإمرأة أن تكون لها رغبة أخرى غير الانجاب مع توفر ظروفه. كيف لها أن تتأكد من سلامة هذه الآلة الانجابية فور أن تتاح لها هذه الفرصة، عليها أن تثبت خلوها من الأعطاب فور الزواج، وأن تلبي تلك الرغبات المفروضة بديهياً على أغلبية النساء/ الرغبة في الأمومة وإلا فإن هذه الالة لا تصلح لأي شئ آخر وليست لها قيمة في هذا العالم.
لا ضير في أن يمارس الرجل عادة تضر بالصحة كالتدخين، واحياناً يعتبر مظهراً للرجولة، ولكن أن تدخن امرأة، أن تلحق الضرر بهذه الآلة الإنجابية هو ما لاتغتفره حتى بعض الداعيات لحقوق النساء بما يتوافق مع (قبول المجتمع)

ولملكية الجسد عواقب وتبعات:


تؤدي أغلب محاولات النساء لإستعادة ملكية أجسادهن، لإستخدامها والتعبير عنها كيفما يشأن الي تعرضهن للتعنيف، التحرش والاغتصاب في محاولة لإنتزاع هذه الملكية واستعادة التحكم في الجسد وصاحبته، واعادتها للمكان الذي يفرضه المجتمع الأبوي على النساء. إن انتشار الحرش الجنسي في الأماكن العامة ما هو الا محاولة لإثبات ان هذه المساحات تنتمي فقط للرجال، وعليه فالنساء/ الاجساد الموجودة في هذا الفضاء هن ملك لهم يعاملونها وفق اهوائهم ورغباتهم، يبدوا لي أن التحرش الجنسي في الأماكن العامة ما هو إلا محاولات بائسة لإعادة النساء للفضاء الخاص، ووسيلة لعقابهن على غزو المساحات العامة المملوكة فرضاً للرجال.

وما الاغتصاب في الحروب إلا تأكيد على أن أجساد النساء ملك لمجتمعاتهن وليس ذواتهن، حيث ينتهكن وينتزع العدو/ المغتصب هذه الملكية، حين يهان الرجال ويلحق بهم عار عدم قدرتهم على حماية ممتلكاتهن من النساء، حين تستغل هذه الآلات الانجابية لتحتوي وتنجب أطفال العدو من نسائهم، وتتحول هذه الأجساد لساحة حرب مدمرة، غير صالحة للاستخدام، تنتصر فيها أبوية المغتصب وتنهزم فيها ذكورية الرجال الفاشلين في حماية ممتلكاتهم، تدفع ثمنها النساء اللائي فقدن التحكم في أجسادهن ودفعنها ثمناً لصراعات سلطوية.

8 مارس وكل يوم، الشخصي هو السياسي.