الثلاثاء، 8 ديسمبر 2020

عبدالله حمدوك... ليس رائداً للإصلاح


نشر على صحيفة السياسي https://assyasi-sd.com/25678/

نشرت وكالة بلومبيرغ في الثالث من ديسمبر ٢٠٢٠ تقريراً حول أكثر ٥٠ شخصية مؤثرة حول العالم للعام ٢٠٢٠، وضم التصنيف رئيس وزراء السودان د. عبدالله حمدوك بإعتباره رائداً لتنفيذ سياسات جديدة وصفت بأنها قد تكون الأكثر جرأة في العالم الإسلامي لأكثر من قرن.

وجل الإصلاحات المذكورة في التقرير مرتبطة بصورة أساسية بقانون التعديلات المتنوعة الذي تمت إجازته في يوليو ٢٠٢٠ وإعلان المبادئ الذي وقعه رئيس الوزراء مع الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال في سبتمبر الماضي.

الاصلاحات التي رصدت في قائمة انجازات رئيس الوزراء مضللة في مجملها، بجانب الغاء عقوبة الردة فإن الإصلاحات المذكورة لم تسهم في الدفع بضمان حقوق المواطنة في السودان.

احتفى التقرير بإنهاء عقوبة الجلد، التي تعتبر صنفاً من صنوف التعذيب والإذلال، بينما التعديلات المتنوعة أبقت عقوبة الجلد كما هي في ما يعرف بجرائم الحدود. كما رصدت عدد من الجهات الحقوقية في الشهور السابقة تطبيق المحاكم لعقوبة الجلد تعزيراً.

وبخصوص الانجاز المتعلق بالغاء القانون الذي يمنع النساء من السفر برفقة أطفالهن بدون إذن الولي فهو أيضاً احتفاء مضلل، إذ أن التعديلات المتنوعة لم تمس قانون الأحوال الشخصية للمسلمين والذي يقضي بضرورة التحصل على إذن الولي في حالة السفر بالمحضون. وفقاً لقانونيين فإن المادة التي تم تعديلها في قانون الهجرة والجوازات تعنى بإلغاء تأشيرة الخروج وليست متعلقة بولاية الرجال على النساء أو سيطرة الرجال على الحق في التنقل لأطفالهم برفقة الامهات.

ظل ختان الإناث لعقود طويلة ظاهرة تشغل المجتمع المدني السوداني، وتلقى اهتماماً من المجتمع الدولي، توجت هذه المجهودات بتجريم الختان في قانون التعديلات المتنوعة، ولكن بالنظر الى صيغة المادة فإن تجريم الختان سينتهي بتجريم للنساء سواءاً كن أمهات، جدات، أو قابلات. من المعروف أن ختان الإناث ممارسة تتصدرها النساء في أسرهن بمباركة تامة من الرجال. كيف للقانون الذي يمنع النساء من التنقل مع أطفالهن بدون إذن الولي أن يتجاوز سلطة الولي في اتخاذ القرار داخل الأسرة ويتجه لتجريم النساء المنفذات للختان.

التعديلات المختصة بتسهيل قيود التعامل مع الكحول لغير المسلمين قد أسهمت في انتهاك حرية المعتقد للمتعاملين، حيث لايتاح لبائعة الكحول التأكد من ديانة المشتري عند عملية البيع، كما أن ارغام منفذي القانون والقضاة للمهتمين والمتهمات بالتعامل في الكحول على الافصاح عن ديانتهم في حد ذاته انتهاك لحرية المعتقد. أتاح القانون بصيغته الحالية لمنفذي القانون الفرصة لتنميط المتعاملين في الكحول بحسب إثنياتهم أو مظهرهم. لا تزال جرائم التعامل في الكحول تحاكم ايجازياً في العديد من المحاكم السودانية.

أما فيما يتعلق بإنهاء ٣٠ عاماً من الحكم الإسلامي فهو من أكثر الانجازات المضللة التي رصدها التقرير، فقانون التعديلات المتنوعة أكد على العقوبات الحدية، والتي تجاوزتها عدد من الدول الحديثة ذات الأغلبية المسلمة، وقتل المجددين والمجددات مشروعيتها بحثاً خالصين لعدم ملاءمتها لإطر حقوق الانسان وبنية الدولة الحديثة. كما أن رئيس الوزراء لم يتعهد بفصل الدين عن الدولة مثلما ورد في التقرير. ففي إعلان المبادئ الموقع مع الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال ورد بند فصل الدين عن الدولة في الدستور المقبل للبلاد أو منح حق تقرير المصير لإقليم جبال النوبة في حال رفض مبدأ فصل الدين عن الدولة، وكأن علمانية الدولة هي فقط مطلب يخص شعوب جبال النوبة دوناً عن عامة السودانيين والسودانيات. لاترقى الإصلاحات التي انجزها رئيس الوزراء وحكومته لما فعله كمال أتاتورك من علمنة للدولة التركية في عشرينيات القرن الماضي، لأن كل ما ذكر أعلاه يدل على غياب الارادة السياسية للتأسيس لدولة قائمة على المواطنة ومنفصلة من المرجعيات الإسلامية السلفية.

تحتفي وكالات الصحافة العالمية مثل بلومبيرغ بإنجازات الدكتور عبدالله حمدوك، دون القيام بأي مجهود إستقصائي لمعرفة مدى جذرية وجدية هذه الإصلاحات. يرزح السودانييون والسودانيات تحت نيران العديد من الأزمات المتراكمة المتعلقة بالتحول الديموقراطي المتعثر بسيطرة شركاء الحكم العسكريين على صناعة القرار وموارد الدولة، مما أنتج الأزمة الاقتصادية التي لا يلوح أفق لحلها وصراعات قبلية متجددة، بالاضافة لجائحة فيروس كورونا المستجد في ظل تهالك النظام الصحي. كل ذلك أسهم في تداعي الدعم الشعبي لرئيس الوزراء الذي قلما يخاطب العامة.

رئيس الوزراء الذي ينوب لجنة الطوارئ الاقتصادية لم يخاطب الجموع المنهكة بالاصطفاف للخبز والوقود حول خطة الخروج من الأزمة، لم يخاطب الأمة عند حدوث مستجدات متعلقة بالوصول للعدالة مثل اكتشاف المقبرة الجماعية، عند قتل الأجهزة الأمنية للمتظاهرين السلميين في ٢١ أكتوبر، عند اشتداد النزاعات القبلية في مختلف أنحاء السودان أو عند قتل العشرات في الهجوم المسلح على معسكر للنازحين في محلية قريضة. لم نسمع من رئيس الوزراء حول الاستعدادات لمجابهة الموجة الثانية من جائحة فيروس كورونا، أو حتى عن محاسبة وزير الصحة المكلف الذي نشر الأكاذيب حول تأثير الإغلاق خلال الموجة الاولى من جائحة فيروس كورونا على حملات مجابهة فيروس شلل الأطفال.

رئيس الوزراء الذي تحتفي أجهزة الدعاية العالمية بانجازاته الصورية، غائب أو مغيب عن المعاناة اليومية للسودانيين والسودانيات باختلافاتهم وتنوعهم. قد تساهم هذه الدعاية في تطمين المانحين وأصدقاء السودان من المجتمع الدولي أن السودان "يسير في الطريق الصحيح"، لكنها لن تنجح في إخفاء سوءات الانتقال وهشاشة وسطحية الإصلاحات عن جموع السودانيين والسودانيات رواد التغيير وصانعي ثورة ديسمبر المجيدة.