الثلاثاء، 12 مايو 2020

غيبوبة

دائماً أسير ببطء
لذلك أحياناً تسبقني بخطوات نحو المجهول
في العادة تبطئ قليلاً
تنتظرني
لكنك هذه المرة مضيت وحيداً
معتذراً "أنا مجبور"
بكيت يومها كما لم أبكي من قبل ولا بعد
كررت أسفي واعتذاري على تعبيري عن عجزي وعن رهقي يومها
ووعدتك
لن أذهب بعد اليوم لأي مكان
لا يهمني العمل
لن أنام
سأبقى فقط بقربك ومعك
جاء صوتك بعيداً "ما اتفقنا على كدة، خلينا ما نتناقش هسة"
لأعوام يا حبيبي وأنا أعيد تعريف الأيام
الأحد، العشرون من كل شهر هو يوم الغيبوبة، آخر مرة أسمع صوتك، آخر مرة تبتسم لي وأنا أردد بقلق وعصبية "سامعني يا وللي؟"
يومها أعترضت قليلاً على نقلك للعناية المكثفة، لقد أخبرتني منذ أيام أنك لا تريد التعرض للتعذيب، لكن سرعان ما بدلت رأيي عندما أخبرني الطبيب أنك ستموت خلال دقائق عشر أو أقل إن لم أوافق على التحويل فوراً، وأنه ربما ستكون لديك فرصة للنجاة.
الأحد، السابع عشر من كل شهر، يوم علمت بإصابتك بالسرطان، تفصلني منك آلاف الأميال، لن أكون بقربك حين يخبرك أعز أصدقائك بذلك
الأحد، الرابع من كل شهر، يوم خضعتَ لجراحة القولون، كنت خائفة ومدركة أنه لا مجال للانهيار، قررت أن آكل وأعد الدقائق حتى تنتهي ساعات الجراحة السبعة

الإثنين، الحادي والعشرين من كل شهر يوم المحبة والتقدير والغناء بصوت أجش
قرأت لك الرسالة التي خبأتها عنك منذ أشهر ست،
يومها آمنت أنك باقٍ للأبد، وأنك ستشفى
فالذي يبقي تلك السيدة على قيد الحياة بعد غيبوبة مستمرة لأربعة سنوات حتماً سيبقيك حياً
ستستفيق يوماً ما
وستخبرني أنك أستمعت لدندناتي وثرثرتي لا المتناهية 
هل تعلم الآن كم أحبك
هل تسامحني على قلة التعبير عن الحب، عن سوء تنسيق احتفالات الميلاد
ستدرك كل ما يحدث الآن، كما أدركت والدة الدكتورة سلامة كل شئ بعد استفاقتها من غيبوبة دامت شهراً

الإثنين، الثاني من كل شهر، الإستعداد للفرح
إسمح لي يا حبيبي أن أغيب لساعات 
أهيئ فيها المنزل لاستقبالك والإحتفاء بتجاوزك الوعكة
لقد تجاوزت المحن
فشل وظائف الكبد والجلطات الدموية وكل ما صاحبهما من آلام 
أنت الآن بخير
سنعود للمنزل صباح الغد، هذا وعد من الطبيب
وددت حينها لو ألتقيت بالطبيب الذي أخبرني منذ خمسة أيام أنك معرض للوفاة المفاجئة في أية لحظة
وددت لو أخبره كما كان مخطئاً، فقد تعافيت الآن 
لم يخطئ الطبيب
لكن هذا تأثير الإثنين يوم الأمل الزائف
هكذا يا حبيبي أعيد تعريف الأيام


هناك تعليق واحد:

  1. ياسلام كتابة صادقة ونافذة..يتخثر نزف الجرح ولا يشفى. فقط يظل جرح لاينزف. موت الاحباء مهما قدمت من شروحات منطقية وحتى فلسفية حول العدم والفناء او تطمينات حول الجنة واللقاء. يظل مغضبا وغير مفهوم. تيدا رحلتنا لمعاشرته بالغضب عليه. ومثل فيلم هندى بسيط يتحول الغضب لعلاقة معقدة. ولكن تظل حكمتنا الشعبية حوله لا تجادل." الموت مابتوالف".

    ردحذف