يمكن للدراما ان تتولى علاج كثير من المظاهر والمشاكل الاجتماعية وان تكون المعول الذي يبني مجتمعاً معافى ، كما يمكنها ان تشكل ايضاً المعول الهدام ؛ ويحدد دور هذا المعول الرسائل والقصص التي يحكيها أو يحاكيها.
تألقت الممثلات وهن يؤدين ادوارهن ببراعة لافتة للانتباه في مسرحية "بنات
في ورطة" حيث يفتح الستار على مقطع غنائي "دايرة دستة رجال ودايرة
دستة" لتكشف عن اربعة فتيات و"خاطبة" لكل منها قصتها وحياتها
المختلفة ولكنهن يشتركن في رغبتهن الملحة للزواج قبل ان يتقدم بهن العمر.
ففي المشهد الاول تترحم الخاطبة "الخالة نفيسة" على
الزمن السمح ابتداءً من عهد الدكتاتور الجنرال عبود مروراً بزواج
الفتيات "الطفلات" في سن 15 سنة الى التحسر على انفصال
الجنوب ، ويضع هذا السرد تأخر سن الزواج "بالنسبة للنساء" في
مصاف المشكلة الخطيرة كإنفصال جزء من الوطن. امتدت المسرحية الى تجريد النساء من
حقهن في اختيار شريك الحياة بمواصفات تناسبهن وذلك فقط لكونهن بلغن 35 عاماً
"وبتتشرط كمان!!" واستخدام لفظ "بايرة"
مما يؤكد على تسليع المرأة واعطاءها مدة صلاحية تنتهي عند بلوغ الثلاثين.
غلب على المسرحية مفهوم تسليع الرجال ، واعتبارهم سلعة يبذل لامتلاكها
الغالى والنفيس من اموال ، تفتيح البشرة ، وانتهاج نمط محدد من التفاعل تجاههم وهو
المتعارف عليه ب"التقلة" وعدم الاستجابة السريعة لهم.
تعترض الفتيات على معاملة الخالة نفيسة لهن مما يدفعهن لعقد اجتماعات
طارئة لمناقشة قضايا البورة وعدم تحصلهن على شريك الحياة وتخلص هذه الاجتماعات الى
اعلان مطالبهن في شكل هتافي احتجاجي وهي المطالبة بالعدالة النوعية وحقوق
النساء في اشارة واضحة الى "البورة / تأخر سن الزواج/ عدم وجود شريك
حياة" هي دافع الناشطات الحقوقيات للمطالبة بحقوق النساء وحصر مفهوم العدالة
النوعية في الحق في الحصول على زوج.
"ريهان"
حامل نتاج علاقة غير شرعية تلجأ باكية للخالة نفيسة التى تمتنع عن مساعدتها
وتؤنبها على شناعة جريمتها وفقدانها لشرفها وذاتها وكيف ان شرفها كان رخيصاً حيث
باعته لرجل ودفعت مقابله "سندويتش طعمية" في حين ان
الفتيات عامة يتم شراءهن "بسندويتش بيرقر وبيبسي" وفي ذلك
اجحاف وتعميم عن سذاجة وابتذال الفتيات. جريمة الزنا التي تحتاج لشخصين اشتركا في الفعل
تم تجريم النساء بها ممثلات في شخصية ريهان مع براءة الرجل الشريك المجهول الذي لم
يرد ذكره الا كفافاً.
"نجوى" فتاة ضائعة لا أهل لها ، امضت حياتها في علاقات بلا قيود او ضوابط
حتى تقدم بها العمر واصبحت تبحث عن الاستقرار الاسري ، تساعد ريهان في اجهاض
جنينها وبذلك تصبح ريهان زانية وقاتلة لطفل برئ لا ذنب له سوى اغواء الشيطان
لوالديه.
تبرز في المسرحية "هالة" من ام اجنبية واب
سوداني ، لها حرية الاختيار في حياتها ولكنها تسعى لاختيار رجل سوداني لانهم "ملتزمين
ما زي الخواجات" في حين غياب أي دلالة على التزام الرجال السودانيين
من المسرحية ، احدهم هرب من خطيبته ( الدكتورة ؛ المتكبرة والحافدة
على المجتمع لتحكم اسرتها في اختيار مجال دراستها) وعاد بعد مدة ليعرض عليها
الزواج في السر. والاخر أب لطفل ناتج من علاقة غير شرعية تملص تماماً من مسئولية
فعلته تاركاً "ريهان" لتحتمل كل العواقب لذنب تشاركاه
مناصفة
تستهجن الممثلات تفكير هالة المفتوح وحريتها في اختيار شريك حياتها
بدون سيطرة "ولي الامر" وهو ما أكدن على مخالقته للدين
والتقاليد ، وان المفاهيم الغربية الكارهة لكل ما هو عربي واسلامي و التي تربت
عليها هالة هي الالة المدمرة لمجتمعاتنا
يغلب على المسرحية تنميط مفهوم الغرب ، حيث تبدأ هالة برواية مأساة
حياتها الكامنة في والدتها الاجنبية التي توسم كل ما هو سوداني بالتخلف ، لا
توليها الرعاية والاهتمام وتركت شأن تربيتها للمربيات الاجيرات. هالة التي تفتقد
للحب والحنان اتت لتبحث عنه في السودان وقد مثلت مأساة الزواج من الاجنبيات غير
الحنونات الناكرات لاحساس الامومة.
التنميط والتعميم شاب أغلب رسائل المسرحية وقد ميزت ضد النساء غير
المتزوجات بل ووسمتهن بصفات محددة غير محببة ؛ كانعدام الشرف والاخلاق ، التكبر
وازدراء المجتمع و تفكك اسرهن ، وأن عدم زواجهن ناتج عن عدم حصولهن على
"رجل" وأنهن مكرهات على العزوبية لا غير. وضعت المسرحية الضرورة في
الزواج كحالة اجتماعية ، وتجاهلت أهمية المؤسسة والضرر الذي قد ينتج من الزواج أجل
الزواج فقط.
قدمت المسرحية حلولاً مقتضبة لكل ما عرضته من مشاكل وأمنت على التعريف
الاجتماعي للخطأ والصواب وحصرت الحلول في التمسك بالدين ، الايمان ، العادات
والتقاليد في وقت تضاعفت فيه معاناة النساء بسبب تعميم مفاهيم الخطأ
والصواب ، حصر دور المرأة في الحياة الخاصة وتحديد صلاحيتها بالعمر الانجابي
وتضييق وجودها في الحياة العامة حسب ما تراه بعض المدارس الدينية. لا يخفى على
الغالبية كما لا يتسع المجال لذكر كيف تم
تتطويع الدين والفتاوى لقهر واذلال النساء.
بالحديث عن مسرحية بنات في ورطة من تأليف الاستاذ أحمد دفع الله واخراج الاستاذ بدر الدين مصطفى ؛ لا يفوتني التأكيد على المواهب الفذة
للممثلات اللائي قدمن عرضاً متميزاً نال استحسان الجمهور تصفيقاً واضحاكاً ولكن
رسالة العرض وما تمت مناقشته من قضايا فهو اشبه بدسهم السم في العسل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق