كان مساء اليوم 30 أكتوبر 2012 "اول يوم عمل بعد اجازة العيد" من المساءات القليلة التي راودني فيها احساس الخوف من الشارع ، وهو احساس لم اعهده رغم تواجدي الكثيف خارجاً ولساعات طويلة ، وتنقلي الدائم ما بين اطراف ووسط المدينة ومقابلة شتى اصناف الناس ، وعدم اكتراثي لما مضى من وقت بعد غروب الشمس ، وذلك لثقتي الدائمة بانه يمكنني الدفاع عن نفسي ضد أي اعتداء ، ورده لفظياً وبدنياً "وقد حدث ذلك قبلاً".
ما حدث انني خرجت من صالون تجميل في شارع 37 بالعمارات حوالي الساعة 6:20 دقيقة مساء فقط بعد دقائق معدودة من آذان المغرب ، وكانت لدي رغبة ملحة في رياضة المشي ، بعد مغيب الشمس واعتدال الجو اضافة الي شراء بعض الاحتياجات مع محلات ليست ببعيدة.
واصلت السير حتي ما بعد تقاطع شارع 21 مع شارع الملك عبد العزيز ، فاذا بسيارة توكسون بيضاء جديدة مظللة تماماً تتحرك بمحاذاتي ، او تتخطاني ببضعة امتار تم تتوقف على رصيف المشاة "الذي اسير فيه" ، قررت عبور الشارع بحيث اسير بمحاذاة السيارات في الاتجاه المقابل لي وواصلت المسير حتى تخطيت تقاطع شارع 15 ، واذا بالرصيف يضيق كثيراً عندها قررت عبور الشارع الى الجهة الاخرى وما ان عبر الشارع حتى اغلقت على الرصيف نفس السيارة واذا بالسائق الثلاثيني يطلب مني فقط كلمة او دقائق معدودة من زمني.
كانت الشوارع شبه خالية سوى من بعض المارة والبائعين المتجولين نسبة لانه أول مساء بعد اجازة عيد الاضحى وكثير من سكان الخرطوم يقضون العيد مع اهاليهم في القرى والمدن الاخرى ، عندها اصبت بحالة من الخوف لم اشهدها من قبل ، تخطيت السيارة بخطى سريعة وحاولت التلويح "للركشات" فاذا به يسير بمحاذاتي ثانية ويغلق الرصيف بسيارته "الجديدة" مخيفة المنظر فهذا النوع من السيارات لا يمتلكه الا الاثرياء جداً ، اضافة الى ان التظليل للزجاج ممنوع وهو ميزة لا يحظى بها الا ذوي الشأن من علية القوم من لهم قرابة بالحزب الحاكم ، اعضائه وافراد أمنه.
حمدت الله كثيراً لتوقف احدى الركشات وفوراً طلبت من السائق اخذي لشارع محمد نجيب اذ ان هذه المضايقات والخوف شغلني كلية من شراء احتياجاتي وحظيت بدقائق من السكينة قبل ان اشاهد نفس السيارة الفارهة تحاول تخطي الركشة ثم تسير ببطء خلفها وكأنما هي محاولة للفت انتباهي بانه لا يزال يطاردني ، عندها قررت الدخول لاحد محلات الملابس في شارع محمد نجيب ، وقضيت فيه قرابة نص الساعة اترقب عبر الواجهة الزجاجية بين الفينة والاخرى وجود هذا المعتوه ، وقد فكرت مراراً الاتصال بأحد الاصدقاء من سكان المنطقة حتى يأتيني مسرعاً ليقلني الى المنزل ، ولكن المعتوه انتظر لمدة 10 دقائق خارج المحل قبل ان يصاب باليأس ويقرر البحث عن صيد آخر كما اعتقد.
بعد وصولي الى المنزل ومراجعتي لما حدث ، وتحديداً مع نوبة الذعر التي انتابتني ، شعرت بالخجل من نفسي فقد كان حرياً بي تصوير لوحة العربة واوصافها الدقيقة ونشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتشجيع بقية الفتيات على هذا التصرف ، الذي يبدو انه قد صار عادياً في شوارع الخرطوم. لكن عنصر المفاجأة قد حال دون تفكيري السليم.
وعلى ذكر عنصر المفاجأة ، اذكر حادثة تعرضت لها في العام 2007 حوالي الساعة 12 ظهراً قرب عمارة الاوقاف بالسوق العربي في طريقي من موقف بحري الي شارع القصر متجهة الى الكلية للحاق بما تبقي من اليوم الدراسي ، فاذا برجل لم اتبين ملامحه ، او اسباب تصرفه ينقض على رأسى من الخلف ويكيل عليه سيلاً من اللكمات المفاجئة حتى تسقط نظارتي الطبية على الارض ، وبعد مقاومة لحوالى 3-4 دقائق وسط جمهور غفير من المارة استطعت الافلات منه ، وقد كان عريض المنكبين فارعاً في الطول حتى ظننت انه يفوق ضعف طولي "او انها اثار الصدمة" وعندما حاولت تبين ملامحه جيداً انتهرني احد المارة آمراً اياي بالجري " انتي لسة واقفة ... ما تجري يا بت قبل ما تحصل ليك مصيبة تاني .. الموقفك شنو" عندها شعرت برغبة عارمة في كيل عدد لا يحصى من الصفعات لهذا الرجل الارعن الذي لم يحرك ساكناً عندما تعرضت للضرب حتي ادمى انفي وانكسرت نظارتي فأجبته "بتفرج على رجالتكم يا باطلين" ولملمت ما تبعثر من اشيائي وغادرت المكان ولم يحرك أحد ساكناً و المفاجئ ان تحدث هذه الحادثة وضح النهار ، بعدها قررت انني لن اكترث لنهار او مغيب فما يحدث ليلاً لا يختلف كثيراً عن احداث النهار وضوء الشمس لا يمنع المجرمين من ارتكاب الجرائم.
في مايو المنصرم ، التقيت احد الاصدقاء في محل للمشروبات والعصائر في الملازمين (امدرمان) جنوب صينية الازهري ، اثناء جلوسي معه لاحظت رجلاً في نهاية عقده الرابع يطوف المكان جيئة وذهاباً ، حتى اذكر تعليقي عليه "اها المتخلف دة مالو معانا هسة ، دي شنو البحلقة وقلة الادب دي" بعدها لم القي له بالاً وبعد دقائق معدودة توجه صديقي للشارع لاحضار عربة أجرة"امجاد" لتقلني الى المنزل فاذا بالمعتوه الاربعيني ينكب علي بالضرب والصراخ قائلاً:" امشي من هنا يا حبشية ... ارجعي بلدك مليتو لينا بلدنا" صرخت رداً عليه :" يا حيوان يا قليل الادب" بعدها لم اعرف ما اصابه هل انتبه للالتفات صديقي "الرجل" او انه ادرك لجهتي السودانية ؟ او انه احس بالخوف من نبرتي الغاضبة ، بعدها مباشرة فر من المكان بسرعة الريح رغم محاولاتي وصديقي للامساك به لكنه سرعان ما اختفى في شوارع الملازمين.
ان حكايات الشارع وما يحدث للفتيات ، قصص كثيرة لا يمكن استيعابها في تدوينة ، او تدوينات او حتى كتاب ، فمن تسلم من تحرشات شرطة النظام العام ، تواجهها تحرشات العقليات المريضة التي تفوق في سقمها النظام العام ، العقليات التي تفترض العهر في كل الاناث في الشارع مع اختلاف اعمارهن. التحرشات التي لا تسلم منها المحجبة والمنقبة ليلاً ونهاراً سواء فضلت المشي سيراً على الاقدام ، استقلت المواصلات العامة ، استقلت سيارة اجرة او حتى تحركت بسيارتها الخاصة فهي لا تسلم من التصرفات الحيوانية. احدى صديقاتي اخبرتني ذات يوم انها اصبحت تكره اداء مشاويرها المهمة كالذهاب الى البنك او المرافق العامة لما تلقاه من تحرش واساءات وقد اتهمها البعض بان مظهرها السبب وراء الازمة الاقتصادية في البلاد.
كثير من الرجال ، منهم نشطاء حقوقيين يعتقدون بأن بعض "المعاكسات" قد تروق النساء احياناً ، وهي حق طبيعي لهم كتعبير وتقدير للجمال ، وهو ما يجعل بيئة الشارع غير آمنة تماماً للنساء.
وللحديث بقية...